ثلة من الصبايا والشباب يؤمنون بإنسانيتهم، ويعبرون ضفاف الوجدان بموسيقاهم ورقصاتهم ودبكاتهم وأصواتهم ولوحاتهم الفنية، حاملين رسالة الديار إلى العالم، إنها فرقة مسرح ديار الراقص الفلسطينية، التي لبت دعوة مجموعة مسارح الشارقة، وقدمت عرضها الأول «لوحات خائفة»، خارج فلسطين، مساء أول من أمس على مسرح معهد الشارقة للفنون المسرحية.
جاءت الفرقة من مهد السيد المسيح (عليه السلام)، كي تلقي تحية دافئة ملؤها المحبة والسلام، من المكان الأول حملت عطر الأرض ودفء القلوب وصفاء الفطرة السليمة، مثقلة بالألم ومثخنة بجرح لم يزل ينزف منذ عقود بفعل همجية محتل غاصب لا يرحم.. من هناك، من المربع الأول لاتقاد شعلة الفكر الانساني، جاءت حاملة معها ذاكرة مكان ونبض زمن يمر على صبح ينضح حنيناً وشوقاً، لقطف صبارات الندى وحبات تين لعصفور الوادي، فيها نصيب اصطفته الطبيعة.
كوكبة من الفنانين والفنيين الشباب، ينتمون إلى ميادين فنية وتقنية متنوعة، من إخراج وتأليف وعزف ورقص وغناء وإيماء وإضاءة وصوت وأزياء لم يكتفوا بالوسائل الفنية التقليدية المتاحة، للتعبير عن واقعهم وتطلعاتهم، فامتطوا صهوة بحث فني متعدد الأجناس، علها تساعدهم في تقديم صورة الوطن بأرضه وإنسانه داخل وخارج فلسطين، فكانت لوحة فنية تعكس محاولة جادة قوامها البحث في أنجع السبل، للمزاوجة بين ما هو عصري ينسجم مع نبض الأجيال الشابة من جهة.
ومع توق دفين لصون مفردات التراث الفلسطيني، مع الأخذ في الاعتبار أن وصف لوحات خائفة بالمحاولة الفنية الجادة لا يقلل من قيمتها الفنية على الاطلاق، بل يضعها في إطارها الصحيح، لا سيما وأنه العرض الأول لفرقة مسرح ديار الراقص، الذي قدم حتى الآن عشرات المرات في مدن ومناطق فلسطينية عديدة.
على مدار 55 دقيقة متواصلة تتجول لوحات خائفة في قلوب وعقول 40 راقصا وراقصة يجمعون ما بين الدبكة الشعبية والرقص المعاصر بقالب مسرحي غنائي راقص، ويبحثون عن الهوية، مرددين على إيقاعات ونغمات موسيقى مأخوذة من الفلكلور الفلسطيني ومن أعمال للفنان اللبناني مارسيل خليفة، عبارة الشاعر الراحل محمود درويش على هذه الأرض ما يستحق الحياة، في محاولة لتجاوز حدود الواقع الذين يعيشون في كنفه، وللتعبير عن الخوف من التغيير ومن الكيان الفردي والوحدة.
حيث تزخر اللوحات بفيض من مشاعر الغضب والاضطهاد والظلم والفرح، التي تجتاح كل فنان على حدة، قبل أن يتمكنوا كمجموعة من الوصول إلى أسس مشتركة للنهوض، والاحتفال بحرية لم يألفوها من قبل، مستندين في ذلك على حالة من التناغم والربط بين الدبكة الشعبية والمسرح التعبيري والحرية الفكرية والإبداع الأدبي، بصفتها عناصر مهمة في التعبير عن النفس الإنسانية والقضايا الاجتماعية بلغة الجسد.
يقول محمد عواد مخرج العمل إن مسرح ديار الراقص يؤمن بأن الفلكلور يعني حكاية الشعب الذي يضاف للبعد التوثيقي للقضية الفلسطينية، والمعتمد على احياء التراث والمسرح كشكل من اشكال النضال والتحدي، منوها إلى أن هذا المشروع الفني يهدف إلى الخروج عن المألوف في طرح القضايا الاجتماعية والسياسية، واستقطاب الشباب الفلسطيني بحاولة دمجه في المجتمع وتنمية فكره، وربما من هنا تأتي أهمية مسرح ديار الراقص، التي تكمن في تثبيت هوية الشباب الفلسطيني الناشط من خلال شاشة المسرح، ومن خلال طرح قضايا اجتماعية تخص جميع فئات المجتمع ولا سيما المهمشة منها.
واعتبر رامي خضر، مدير مسرح ديار الراقص أن المسرح يعمل على المزج بين ثلاثة عناصر في تشكيل عروضه، وهي الدبكة الشعبية المستقاة من الذاكرة الشعبية الجمعية المتراكمة عبر التاريخ، والمسرح المعاصر في طرحه للقضايا الاجتماعية ، والرقص الحديث المستوحى من أهمية الحركة والجسد في التعبير عن الذات، موضحا أن هذا المزيج يشكل اتصالا بين ثقافات متعددة، ويسعى في الوقت نفسه إلى نقل القضايا الاجتماعية والنفسية والسياسية، بطرق غير تقليدية مفعمة بحياة الشباب.
في السياق ذاته، قال محمد حمدان بن جرش مدير مجموعة مسارح الشارقة، الذي كرمته فرقة مسرح ديار الراقص، مثلما كرمها بدوره في بداية العرض إن المجموعة تحاول دائماً العزف على ما يحبه الجمهور، ويشد انتباهه في التنوع في الفعاليات الفنية والثقافية، التي تحرص المجموعة على ان تكون متميزة ومشهودا لها في بلدها الأصلي لناحية الشكل والمضمون، وذلك بما يتماشى مع استراتيجية المجموعة الساعية إلى استقطاب الفعاليات من كافة الأقطار العربية.
ووصف بن جرش لوحات خائفة بالقول إنه عرض مميز لأنه يجمع بين ثلاثة عناصر رئيسية، وهي الفلكلور الشعبي والمسرح المعاصر بطرحه للقضايا الاجتماعية، والرقص الحديث المستوحى من الحركة والجسد.
وأخيراً، أعرب بن جرش عن سعادته لاستضافة أول عرض لمسرح ديار الراقص خارج فلسطين الشقيقة، ليكون له محطة في شارقة الخير والثقافة، ولتكون هذه المحطة بوابة عبور لهذه الفرقة إلى بقية أرجاء الوطن العربي والعالم.
عرض ثالث
كشف محمد حمدان بن جرش مدير مجموعة مسارح الشارقة النقاب عن عرض ثالث لفرقة مسرح ديار الراقص، لم يعلن عنه سابقاً، حيث تعرض لوحات خائفة الساعة الخامسة من مساء اليوم على مسرح الجامعة الأميركية في الشارقة. وأوضح أن عدة جامعات وكليات إماراتية أعربت عن رغبتها في استضافة هذا العرض، إلا أن ارتباطات الفرقة المسبقة حالت دون تلبية تلك الدعوات.
تكريم
في بادرة هي الأولى من نوعها، كرمت فرقة مسرح ديار الراقص الفنان المسرحي محمد النابلسي، وهو عضو في فريق عمل مجموعة مسارح الشارقة على جهوده في إنجاح عرضها في الشارقة ومنحته عضويتها الفخرية، حيث أكد رامي خضر مدير الفرقة أن هذه هي المرة الأولى التي تمنح فيها الفرقة عضويتها الفخرية خارج فلسطين.