الدقة والإتقان والأمانة، عناصر أساسية لعمل مصلح الساعات، فعمله يقتضي التعامل مع مختلف أنواع الساعات، ويتطلب الكثير من التنظيم والترتيب والحرص على مقتنيات الزبائن التي عادة ما تكون ثمينة. يجلس في مكان صغير يغلب على طابعه البساطة والفوضى وعدم التنظيم، ولكن عمله لا يخلو من التركيز العالي والبراعة في تشخيص العطل وبث الروح في الساعة المتوقفة لتجري بالزمن.
سيد حسن مصلح الساعات تاريخ عمله فيها طويل وممتد لأكثر من 40 عاماً، قضى منها أعواما يتعلم أصول المهنة من والده في باكستان، واستقر في دبي ليمارس ما اكتسبه من خبرات على أرض الواقع، فبات يشتهر بالمهارة والأمانة وحسن التعامل مع الزبائن من مختلف الجنسيات منذ 16 عاما في الإمارات.
الأصلي والمقلد... وقال إن مجال الساعات واسع ويتطلب مهارة عالية ودقة متناهية وحرفية، على اعتبار أن هناك ساعات معقدة وتتمتع بتركيبة خاصة من المحركات، منها يدوية وذات تقنية عريقة أو أولية، ومن المعروف أن مكونات ساعة اليد تكون مصغرة، بل متناهية في الصغر، ورقيقة، وتحتاج لعناية دقيقة في التعامل معها. وهي تختلف عن ساعة الحائط من حيث الأجزاء والمكونات، ولا تختلف أجزاء الساعات كثيرا من ساعة لأخرى، بل هناك تقنيات جديدة دخلت عالم الساعات وغيرت من آلية عملها، ولكن الخبرة في فك رموزها وحل مشاكلها وترتيب وضبط أجزائها تحكم في النهاية. ومن منطلق تعاملي في مجال تصليح الساعات أستطيع التمييز بين الساعات الأصلية والمقلدة بسرعة وبساطة، كما تختلف كلفة التصليح من ساعة لأخرى، حيث تبلغ كلفة تصليح الساعات المقلدة 120 درهماً تقريباً، في حين تصل كلفة تصليح الساعات الأصلية إلى 600 درهم، وبدوري لا أطمع في امتلاك ما يقع في يدي من ساعات ثمينة باعتباري حريصاً على الحفاظ على ممتلكات الآخرين، سواء كانت باهظة الثمن أو زهيدة.
حيث أدرك تماما أن لكل ساعة قيمة كبيرة يعتز بها أصحابها، حتى وإن لم تكن أسعارها مرتفعة، بل قيمتها المعنوية ترفع من ثمنها، وقد تكون متوارثة أو عزيزة على نفوس مالكيها، ويضم عالم الساعات كنزا واسعا من «الماركات العالمية» أو العلامات التجارية متفاوتة الأسعار، ولكني أتعامل مع الجميع بروح واحدة، لا أنشغل بالساعات الثمينة على حساب الأنواع الأخرى، بل أعطي كل ساعة حقها في التصليح وإعادتها للعمل من جديد.
وفي المقابل، هناك ساعات أحتفظ بها منذ سنوات طويلة، فقد تركها أصحابها لدي ويبدو أن أصحابها تخلو عنها أو ربما نسوها، ولكني أحتفظ بها ولا أسعى للمتاجرة بها أو كسب قيمتها مقابل بيعها أبدا، وأحتفظ في المحل بساعة مكتب منذ 11 عاما، جلبها رجل آسيوي لتصليحها ولكنه لم يعد لأخذها، فبقيت لدي منذ ذلك الحين، وأنا على يقين بأن هناك من سيأتي ليسأل عنها، وأنا أتذكر صاحبها، وهي محفوظة لدي ومصانة باعتبارها أمانة ولا أسعى للتفريط فيها أو بيعها مهما بلغ الثمن.
كما أحتفظ بساعة أثرية منذ سنتين تركتها لدي أسرة خليجية ولم تعد لأخذها أيضا، وعلى الرغم من وجود رقم الهاتف للتواصل مع صاحب الساعة الأثرية، إلا انه لا يوجد لمحاولاتي إيجاد صاحبها أي صدى، كما باتت محاولات الوصول لصاحب الساعة القديمة التي تركت لدي منذ 11 عاما شبه مستحيلة بسبب تغير الأوضاع، ولكني لست يائساً.
لا تنازل
اليوم ومع دخول الساعات المقلدة والتجارية إلى السوق، باتت الأكثر رواجا بين الناس، حيث اغلب الساعات التي تردني في الوقت الراهن تكون مقلدة، على اعتبار أن المجتمع الإماراتي بات يستقطب شرائح مختلفة من الجنسيات.
وهناك فئة لا تتنازل على الساعات الأصلية القديمة، ولا أتخوف من التعامل معها، بل هناك معدات ومواد احتياطية خاصة أحتفظ بها لتصليح ذلك النوع من الساعات القيمة، وتعرف الساعات المقلدة بقصر عمرها وسرعة تعطلها، إذ تتعطل في وقت قصير، حيث يسهل التعرف إليها من هذا المنطلق ومن ماكينتها على حد سواء.
وعلى الرغم من تفضيل بعض الأشخاص تصليح ساعاتهم باهظة الثمن لدى الوكلاء أو المحلات الكبيرة المعروفة، إلا أن هناك فئة تلجأ إليّ لخبرتي الطويلة في مجال تصليح الساعات، جنبا إلى جنب مع حسن تعاملي وأخلاقي التي أتحلى بها مع الآخرين، حيث تربطني علاقات وثيقة بزبائن قدامى لا تزال علاقاتنا مترابطة ومستمرة منذ سنوات طويلة.
إن مهارة مصلح الساعات تظهر في تعامله مع الأجزاء الصغيرة للساعة واختيار الأدوات المناسبة من بين مئات الأدوات التي تكتظ بها طاولة المصلح، ولا عجب في نجاحي في إعادة نبضات الساعات من جديد لها خلال دقائق معدودة، وأحيانا في لحظات قصيرة، باعتباري تشربت أصول المهنة وأوظف خبراتي في هذا المجال الذي أعشقه كثيرا، ولكن تصليح الساعات وخاصة الأصلية يتطلب جهدا وتركيزا ودقة، حيث يتطلب تصليح بعض الساعات وقتا زمنيا يمتد إلى 3 ساعات، وأحيانا يومين بل وأحيانا أكثر.
لدى ساعات يد أحفظها في صناديق قديمة لتأكدي من طول فترات بقائها وتاريخ احتفاظي بها، وترين أنها كثيرة بطبيعة الحال، ولكنها باقية لدي حتى يسأل عنها أصحابها.
لافتة
أنا أب لثلاث بنات يعملن في وظائف مختلفة وبعيدة عن مجال أو تصليح الساعات، كما لا تجيد بناتي تصليح أو التعامل مع الساعات، ولا توجد لديهن اهتمامات في هذا المجال، لا من قريب ولا من بعيد، اللهم إلا اقتناؤهن ساعات لمعاصمهن.